رسالة ماجستير في جامعة ميسان تناقش (إشكالية البحث عن اللذة في الشعر الجاهلي)
بحثت في جامعة ميسان /كلية التربية رسالة الماجستير الموسومة : (إشكالية البحث عن اللذة في الشعر الجاهلي) والتي تقدم بها طالب الدراسات العليا( علي كريم موسى) وبإشراف الاستاذ الدكتور(جبار عباس نعمة)
تهدف الرسالة الى الكشف عن حضورِ( اللذةِ ) في توجهات الشاعر الجاهلي بنوعيها ( الحسي والمعنوي ) ,وهذا القول لا ينفي وجود بعض الدراسات التي ضمنت في جوانبها بعض الإشارات إلى هذه القضية لكن لم تكن وافيةً إنما كانت مجرد لمحاتٍ سريعةٍ لم تفِ الموضوعَ حقه من الدراسة والبحث ومنها: الأدب الجاهلي قضاياه , وفنونه , ونصوصه , لحسني عبد الجليل , و الإنسان في الشعر الجاهلي , لعبد الغني أحمد زيتوني , و حديث الأربعاء , طه حسين , الجاهلي , وفي النقد الجمالي رؤية في الشعر الجاهلي , لأحمد محمد خليل , وغيرها الكثير .وعملت الرسالة على الكشف عن الظواهر النفسية المهمة المرتبطة بالشعر الجاهلي والذي يمثلُ مفخرةً لكل عربيَّ غيورٍ ومحبٍ لأدبهِ وتراثهِ . و الموضوعُ مهم لأنه يتعلق بصورةٍ مباشرةٍ بالشاعرِ الجاهلي كونه يمسُ الجانبَ الشعوري والعاطفي والوجداني للشاعرِ الجاهلي . فمن خلالِ ( اللذة ) نستطيعُ الوقوف على الجانب الإبداعي للمنجزِ الجاهلي وكذلك بيانَ فلسفة الشاعرِ في مواجهةِ معضلات ِالحياةِ الكبرى . وقد شكلت اللذة معادلاً موضوعياً لمظاهرِ الخوف والقلق والظلمِ والقهرِ وعدمِ المساواةِ التي كانت سائدةً في المجتمع الجاهلي, ولذلك أصبح ضرورياَ التعرف على هذا المبدأ وبيان أنواعهِ . وخصوصاً إذا علمنا أن سلوك البحث عن اللذة يختلف تبعا (للتجربة الشعرية ) للشاعر الجاهلي التي هي بلا شك تختلف من شاعر إلى آخر , أو حتى عند الشاعر نفسه , على وفق ما تقتضيه الحالة النفسية والأفعال والمؤثرات الخارجية التي تعمل على تحريك نوازعه الداخلية , فتثير لديه المخاوف مثلاً الخوف من فقدان الشباب , أو الموت , أو الفقر , أو الظلم , وغيرها من الدوافع والمؤثرات التي تجعله يقف موقفا معيناً من الحياة برمتها لتكون حينئذ لذاته مرآة تعكس لنا واقعه وتبين لنا ما يشعر به في تلك اللحظة الزمنية .
وقد تضمنت الدراسة الكشف عن الأهداف الأساسية من البحث هي :
1- بيانُ فلسفةِ الشاعرِ الجاهلي وموقفه أمام معضلات الوجود الكبرى التي كانت تشكل محركاتٍ وموجهات أساسيةً في حياةِ الفردِ الجاهلي .
2- بيان الدوافع التي تقف وراء بحث الشاعر الجاهلي عن اللذة سواءً أكانت لذةً ماديةً أم معنوية ً.
3- الوقوف على الأسباب والبواعث التي كانت تقف وراءَ المبالغةِ والانغماسِ باللذاتِ والمتع من قبل الشعراء الجاهليين .
4- محاولة تفسير الحالةِ الشعوريةِ والوجدانية والنفسية التي مرَّ بها الشاعر الجاهليُّ ومدى انعكاسهِا على النتاجِ الشعري والجانب الإبداعي .
5- بيان الرابط أو العلاقة الوثيقة بين (اللذة ) وغايةِ الخلودِ وعدمِ الفناءِ التي كان ينشدُها الشاعرُ الجاهلي .
وقد اختتمت الرسالة بمجموعة من النتائج أهمها:
1-تختلف وتتنوع البواعث التي كانت تقف وراء بحث الشاعر الجاهلي عن اللذة حسب الظروف التي تحيط بالشاعر والمؤثرات الخارجية التي تعمل على تحريك نوازعه الداخلية , فتثير لديه المخاوف كالخوف من الموت , أو فقدان الشباب , أو المجهول , أو الفقر , أو الظلم , وغيرها من البواعث والمؤثرات التي تجعله يقف موقفا معيناً من الحياة برمتها. ولذلك فقد توزعت بواعث اللذة على نوعين : البواعث الخارجية : والتي تشمل كل من (البواعث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والطبيعية ) و البواعث الداخلية : وتتضمن باعثين هما ( البواعث النفسية والوجودية ) .
2- وعلى صعيد أنواع اللذة توصلت الرسالة بأن (اللذة الحسية ) هي : اللذة التي تنضوي تحت كل ما يوفر للجسد النشوة والمتعة ويجلب له الارتواء الجسدي كشرب الخمر ومعاشرة النساء , واللهو والصيد وغير ذلك .
3- وأثبتت الدراسة بأن الخمرة بالنسبة للشاعر الجاهلي تمثل مرحلة الانقطاع والابتعاد عن الواقع المعاش والاتصال بعالم الحلم والخيال هذا العالم الذي يوفر الراحة والسكينة ويرتبط بالكرم والسخاء والشجاعة ,وتحقيق الانتصار والشعور باللذة والنشوة بعيداً عن عالم الإحباط والهموم والمرارة والقلق النفسي الذي كان يسيطر على الفرد العربي آنذاك بسبب ظروفه البيئة وقساوتها؛ ولذلك نجده قد أهتم بالخمرة وأفتخر بها وعدها كوناً مقدساً لأنها تلبي طموحاته وتطلعاته وتحقق له عالم اليوتوبيا العالم المثالي الذي يحلم به حتى ولو كان ذلك بصورة مؤقتة .
4- أما على صعيد الغزل الحسي المادي خلصت الرسالة إلى أن الشاعر الجاهلي في الغزل الحسي المادي ينطلق من الشهوة والغريزة باحثاً عن اللذة بصرف النظر عن الجانب الأخلاقي والاجتماعي والعرفي .لأن غايته الأساسية هي المتعة واللذة . فهو يطلب اللذة حباً وتمسكاً في الحياة , أو هرباً من شقاء هذه الحياة وتعبها .
5- أما الصيد فقد كان مصدرا ملهماً للشعراء. وأقبلوا عليه بوصفه متعتهم ولذتهم التي يبحثون عنها حيث من خلاله يصف لنا الشاعر لوحة تتحدث عن رحلة للمغامرة والترويح عن النفس غايتها المتعة واللذة وتجديد الحيوية وإبراز القوة والشجاعة والفروسية واستعراض المهارة والفتوة .
6- أما ( اللذة المعنوية ) فقد خلصت الدراسة بأن هذا النوع من اللذة يتحقق بشكل خاص عبر لذة الميسر حيث شكل الميسر بالنسبة للشاعر الجاهلي قيمة اجتماعية كبرى وله فائدة عظيمة فبوساطته يحققون نوعاً من التضامن الاجتماعي والعدالة في توزيع الثروات , فالأغنياء والمترفون الذين يلعبون الميسر يحققون اللذة والمتعة بصرف النظر عن الخسارة والربح ويحصلون أيضاً على المديح والثناء. ولذة التمسك بالقيم الخلقية الاجتماعية السائدة في العصر الجاهلي , كالعفة والحلم والفروسية والكرم والشجاعة والنخوة وغيرها والتي اقتربت كثيراً من لذة ( الأودومونيَّة) التي تحدث عنها فلاسفة اليونان والتي نقصد بها : لذة تحقيق السعادة والخير للآخرين , فالإنسان يتمتع ويجد راحته ونشوته ويستلذ بماله وحياته بقدر تحقيق السعادة للآخرين وإنقاذ الفقراء والمعوزين من الموت والهلاك ؛وبذلك فأن الإنسان العربي عبر التمسك بالقيم الأخلاقية النبيلة يحقق ذاته يثبت أنه فرد متميز عن غيره لأنه يمتلك القدرة على إسعاد الآخرين وإنقاذ حياتهم . وفي الجانب الآخر تتوافر اللذة المعنوية في وصف الطبيعة الذي أفرغ فيه الشاعر كل طاقته ما دامت عناصر الطبيعة التي حوله دائماً ما تعجبه وتبهره ليوظف هذا الإعجاب والانبهار شعراً ونصوصاً جاهلية متميزة .
7- وفي الحديث عن الدراسة الفنية وما يتعلق باللغة والأسلوب والصورة والموسيقى الشعرية فقد أوضحت الدراسة بأن ألفاظ أشعار اللذة والمتعة لم تختلف كثيراً عن ألفاظ الشعر الجاهلي بصورة عامة حيث كانت تتفاوت بين القوة والجزالة والغرابة والسهولة والسلاسة بحسب المعنى الذي يريد أن يوظفه الشاعر في بحثه عن اللذة والمتعة . أما الصورة الشعرية فقد أظهرت الرسالة أن الصورة الشعرية عند شعراء اللذة والمتعة كانت تشكيل لغوي يعتمد على وسائل بيانية متعددة منها التشبيه والاستعارة والكناية يوظفها الشاعر في نقل مشاعره وأحاسيسه وتجاربه مرتكزا على عالمه المحسوس في رسم صوره وتشكيلها.
8- وعلى مستوى الموسيقى الشعرية لنصوص وأشعار اللذة والمتعة أثبت الدراسة بأن الشعراء الجاهليين قد نظموا على بحور الشعر الأساسية وهي ( الطويل والبسيط والكامل والوافر ). وجاءت الأبيات على قوافي متنوعة شأنها في ذلك شأن بقية الأغراض الشعرية في العصر الجاهلي. أما ما يتعلق بالموسيقى الداخلية أو الإيقاع الداخلي فقد أثبتت الدراسة بأن أشعار اللذة والمتعة أنمازت بألوان موسيقية متنوعة أضافت على تراكيبها نغمات إيقاعية تجذب المتلقي وتحرك مشاعره وبذلك فأن المنبع الرئيس للموسيقى الداخلية يتمثل في الجرس الخاص للمفردات والألفاظ وعن طريق الانسجام والتناسب والانتظام بين الوحدات الصوتية التي تعمل مجتمع على إنتاج إيقاع داخلي يتولد من خلاله جمالية النص الأدبي .
9- وخلصت الرسالة بأن اللذة حاجة حياتية طبيعية ومطلب نفسي وفكري اعتادت عليه النفس البشرية رغبة في البحث عن خيط الأمل في الفرح والمتعة والسعادة الذي دائما ما يختفي خلف مشاكل الحياة وإشغالها , حيث يبحث الإنسان دائما عما هو لذيذ ومريح ويبتعد عن المؤلم والمزعج والذي يسبب القلق والتوتر والخوف ضمن فلسفة حياتية معينة تختلف من فرد إلى آخر حسب طبيعة التجربة الاجتماعية الحياتية الخاصة به والظروف والأطر العائلية والاقتصادية والنفسية وغيرها من المؤثرات التي تسهم في بلورة سلوك الفرد وطبيعة حياته . بحيث لا يتوقع أن يطلب الإنسان في كل زمان ومكان الألم ,والمشقة ,والحزن على حساب المتعة واللذة والسعادة .
10- وتوصلت الرسالة إلى إنَّ الفكر الأساسية عند الشاعر الجاهلي في البحث عن اللذة هي مواجهة المأساة والهروب من الموت . ولقد تطورت هذه الفكرة عند الشعراء الجاهليين حتى أصبحت ضمن فلسفة ذاتية بسيطة عفوية يلجأ إليها الشاعر غايتها استمرار الحياة والتمسك بهذا النور في مقابل الظلام الذي يبعثه الموت والمصير المجهول وهذه القوة التي تواجه الضعف عن طريق مبادرة اللذة بكل أنواعها .
11- وخلصت الرسالة إلى أن شعور البحث عن اللذة والمتعة بالنسبة للجاهليين هو المحرك الأساس لأفعالهم ويشغل اهتماماتهم لأنهم كانوا يعبدون الحياة ويتمسكون بها وينقطعون إليها. لأن رؤيتهم للحياة والكون والوجود رؤية مادية وثنية تفتقد للدين الصحيح وعقيدتهم الدينية ملتبسة ومشوشة بخصوص البعث والحياة الآخرة مما ضاعف إحساسهم بالخوف والقلق من الموت والمصير المجهول . وهذا ما يفسر إقبالهم الشديد على النهل من الملذات محاولة منهم لإشباع رغبات الجسد وغرائزه واسترجاع لمأثر الشباب في مواجهة الشيب والتخلص من القلق والخوف والعجز الجنسي , فالملذات بالنسبة للشاعر الجاهلي عصب الحياة وأساس استمرار الوجود ولذلك لا يمكنه الابتعاد عنها لأنها الدواء الذي يتخذه الشاعر لعلاج أوجاعه وهمومه. وسلاحا نفسيا مريحا لقهر فكرة الموت والمصير المجهول الذي كان يشغل الفرد العربي في عصر ما قبل الإسلام .
12- وخلصت الدراسة إلا أن بعض الشعراء الجاهليين استطاعوا مواجهة القبيلة وعدم الخضوع لإرادتها فقرروا الرحيل عنها والتمرد على القوانين والأعراف والعادات الاجتماعية التي كانت القبيلة تفرضها على أفرادها كما نجد ذلك مثلاً عند الشاعر طرفة بن العبد وعند الشعراء الصعاليك والشعراء السود وغيرهم من الشعراء الذين تمردوا على القبيلة وقوانينها فشكل هذا التمرد نوعاً من اللذة التي يسعى الشاعر من خلالها إلى إثبات الذات والوجود من خلال التصدي والمجابهة مع هذه العادات والتقاليد رغبة منهم بمحاولة إعادة توزيع الثروات وإنشاء نوع من العدالة الاجتماعية في مجتمع قائم على الطبقية والقوة والسلب والإغارة والنهب .
13- ولقد لجأ الشاعر الجاهلي إلى اللذة كونها الوسيلة أو السلاح الذي يستعمله للتصدي لمعضلات الحياة والعوائق التي تواجهه ولذلك فقد استعملوا هذا الوسيلة بشكل سلبي تمثل في الانغماس والإفراط في البحث عن اللذة الحسية المادية . وشكل إيجابي تمثل في التمسك بالقيم الخلقية النبيلة كالكرم والعفة والشجاعة وإغاثة الملهوف وتلبية النداء وتقديم المساعدة وغيرها من الصفات الإنسانية الأخرى التي اتصف بها الفرد الجاهلي وكان يرغب من خلال هذه الصفات الإنسانية إلى تحقيق التعاون والمساعدة وإعلاء شأن الجانب الإنساني ومقاومة الطبيعة القاسية الصعبة التي كان يعيش فيها وهذه الصفات كونت أساس اللذة المعنوية عند الشاعر الجاهلي التي كان يبحث بوساطتها على قهر الطبيعة والانتصار عليها وتحقيق اللذة المعنوية ما دامت تكافح مشاكل تعترض حياته .