إن الحديث عن الجمال ومحاولة فلسفته يتطلب بحثا وافيا في تاريخ الفكر الإنساني الذي حاول وضع تلك التفسيرات عن ماهية الجمال، فقد ظهرت الجمالية بظواهر مختلفة لكنها مترابطة كنظرة الحياة وفكرة معالجتها بروح الفن ، ولكن بعضاً من أفكار القرن التاسع عشر التي ركزت على الجمالية ما تزال ماثله، إمامنا اذ لعبت دوراً مهماً في تطوير المواقف الحديثة عن الفنون ومكانتها في المجتمع امتدت حتى عصرنا الحاضر وما طرحته من إبداعات كانت مدخلاً لتفسير بعض الظاهرات الجمالية نتاجات الفنانين بما يترجمه من أحاسيس وأفكار ورؤى فنية مختلفة إذ تباين علماء النفس والمفكرون والفلاسفة لتلك الأطروحات التي ظهرت على انجازات الفنانين، والواقع ان هذه التفسيرات جميعاً فيها من الصحة الكثير وهذا ما سنحاول تفسيره في بحثنا الحالي على وفق أسس علمية وهذا ما ذهب إليه (يوسف ميخائيل اسعد) في تفسيره سيكولوجية الإبداع حيث وضع خمس أسس للإبداع منها :
النمط النفسي الذي يندرج الفنان تحته.
نمط الخبرات ألوجدانيه.
تحديد انتقاءات الفنان وما كان متعلقاً بالإحداث الآنية حديثة الوقوع.
الأساس التربوي الذي خضع له الفنان.
الأسس النفسية التي تتحكم بالفنان من الناحية(السايكولوجي) نفسي اجتماعي.
ذلك ان الفنان يولد وينشئ في إطار اجتماعي معين له تذوقاته الخاصة. والحقيقة إننا لا نستطيع عزل الفنان عن بيئته لان كل منهما يؤثر بطريقته على الأخر، بان الفنان شخص يمتاز بسرعة التقاط وتفسيره لما التقطه من جهة أخرى فهو لا يشبه الشخص العادي كون ان الفنان يختلف عن الآخرين بطريقة أحساسة بالجمال، هذا الإحساس بالتضامن مع عوامل أخرى لا تقل أهمية تكون الدافع لإنتاج الفن ، والحال ان الفن هو إبداع وهو صادر عن الروح البشرية بكل إشكاله وتعبيراته الجمالية قديماً،وحتى عصرنا الحاضر فهو مهمة للتعبير والتفاهم بين أطياف المجتمع بكل اتجاهاتها وإبعادها المعرفية ، وهي الأساس على قيام الحضارات الإنسانية بما تمثله من إبداعا فكرياً وجمالياً على مختلف الاتجاهات الدينية والأدبية والعقائدية الذي مارسته تلك الشعوب ،والفن هو الباعث دوماً على القدرة الخلاقة على ابتكار الجميل والممتع الذي يعبر عن تفاعل الإنسان مع بيئته لتقديم رؤية جديدة سواء كان رسماً ام نحتاً ام مسرحاً ام موسيقى ، فالإبداع هو الثورة على القوالب الجاهزة والبحث المستمر العطاء والفاتح للأفاق والرموز باتجاه حللتها وتفسيرها بشكل يسهل فهمها للمتلقي. لذلك فأن التعبيرات الفنية التي يمارسها الفنان من خلال الحركات الفنية مثل (الكلاسيكية، الرومانسية، الانطباعية…الخ) هي من الأنماط والحركات الفنية التي تُشير إلى وجود خصائص أسلوبية جديدة يبتدعها الفنان وذلك بسبب التفاوت في تناول الموضوع والتي تجرنا إلى تقديم ما بوسعنا من مقتطفات توضيحية تأخذ بيد المتعلم إلى فهم تلك المنجزات من الفن ومحاولة الإبداع فيها.
فالفن على مختلف اساليبة(رسم ،نحت ، موسيقى…الخ) فهو أيضا له اختلاف في أنماط انتاجة اذ ان الرسام يختلف بأسلوبه بالعمل الفني عن عمل النحات وكذلك في الموسيقى فلكلً رؤيته في إنتاجه لعمله الفني، وبما اننا في بحثنا هذا سنتناول النحت المعاصر لذا قد تتباين الكثير من الفروق الأسلوبية بين النحاتين في هذه الفترة على اختلاف انتماءات الفنانين المجتمعية ،اذ ازداد اهتمام النحاتين بالابتعاد عن التشخيص المباشر للشكل البشري فأصبح جل اهتمامهم منصب على مشكلات التكوين على حساب المضمون بل أصبح المضمون تابع للشكل ولم يعد الشكل البشري محوراً لأغلب إعمالهم ، لقد أدى ذلك التعبير أو التغير إلى ظهور إعمال نحت متغير وأصيل كما إن النحاتين بشكل عام حاولوا أيضا الابتعاد عن الخامة التقليدية في تنفيذ منجزاتهم النحتية والبحث عن الخامة التقليدية في تنفيذ منجزاتهم النحتية والبحث عن الخامة الجديدة والمبتكرة لإحداث الصدمة الجمالية للمتلقين لتلك الإعمال .
ومن الجدير بالذكر ولعلنا قد نرجع إلى إن البدايات الأولى للنحت المعاصر ظهرت في عمل نحتي ذو ثلاث إبعاد الذي أنجزه الفنان ( بيكاسو ) بين أعوام (1910-1925 ) إذ تكون من عناصر ومجموعة خامات من الحديد والأسلاك بحيث شكلت نمط جديد من الفن لم يكن مألوفاً في السابق ، ان هذا الاتجاه الذي ظهر في فن النحت تعود مرجعيته إلى النحات الاسباني( خوليو غونز اليس 1876-1924) .
ان هذا التحول قد ولد ظاهرة مدركة من قبل الفنان والمتلقي مما شكل ذلك قاعدة للنحاتين الآخرين في انجاز إعمال نحتية مشابهة فظهر الكثير منهم أمثال الأمريكي ( ديفد سميث ) والانكليزي ( انتوني كارو ) و الايطالي ( جوزيف بنكلوني ) كذلك ضهر في النحت العراقي المعاصر الكثير من النحاتين مثل ( هادي مشهدي – صلاح لازم – محمود العبيدي – احمد البحراني وغيرهم ) ان ما قدمه الفنانين من منجزات من إعمالهم قد ظهرت عليها أساليب جمالية وتعبيرية جديدة على وفق رؤية فنية تشكيلية ساعدت في ابراز نتاجات ومنجزات فنيه تحمل رموز جماليه ،كما ان هذه المنجزات من الإعمال الفنية والتي شكلت أطرا جمالية عالية الإبداع في تكوينها وفي إشكالها الفنية قد جسدت الحياة والطبيعة وواقعها الفكري والإنساني بكل عوالمة الاجتماعية ، الدينية ، الفنية ، الفلسفية ولو نظرنا الى فن النحت المعاصر بشكل عام والفنانين لهذه العصر بشكل خاص نرى جلياً ان في هذا العصر قد ظهرت أفكار جمالية من الممكن استلهامها او توظيفها لأجل تنمية التفكير الإبداعي لما تحملة من رموز ورؤى لها الأثر في إحداث ذلك التأثير في العقل البشري من الناحية الابداعية .
وبما ان التفكير الإبداعي سواء اكان فني غير ادبي فهو نشاط عقلي يتصف بعدم النمطية ويخرج عن أساسيات التفكير المعتاد كي يؤدي إلى إنتاج يتصف بالابتكار والجدة والإبداع لذا كان هذا النشاط من الممكن تحويله الى سلوك يمكن الإفادة منه وعلى مختلف مجالات العلوم كافة ومنها التربية الفنية .