كلية التربية جامعة ميسان تنظم حلقة نقاشية حول نظرية البداء ((يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ))

نظم قسم علوم القرآن والتربية الإسلامية في كلية التربية جامعة ميسان حلقة نقاشية حول نظرية البداء

بمشاركة عدد من أساتذة وطلبة القسم.

وتضمنت الحلقة، محاضرة قدمها التدريسي (أ.م.د. اياد نعيم مجيد) تطرّق خلالها إلى بيان معنى البداء في اللغة (البيان والظهور بعد الخفاء)، وفي الاصطلاح هناك معنيان للبداء:

أولاً- (الظهور له) الخاص بالإنسان نتيجة جهله بالمصالح والمفاسد، والذي لا تقول به الإمامية على الله تعالى أبداً، بمعنى استحالة أن يبدو له تعالى ما لم يكن يريده أو يعلمه؛ وذلك للزومه محذوري الجهل والنقص، وذلك محال عليه تعالى. ويدل على ذلك الأخبار والروايات، حيث يقول الإمام الصادق ((ع)) ((من زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم))، وقال أيضاً ((من زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه)).

ثانياً- (الظهور منه) الظهور بعد الخفاء، يعني بدا منه لغيره، فعن الإمام الصادق ((عليه السلام)): ((ما بدا لله في شيء إلّا كان في علمه قبل أنّ يبدو له)). بمعنى أنّ الله تعالى قد يظهر شيئاً لأنبيائه ورسله وأوصيائه ثم يمحو ذلك الشيء ويغيره طبقاً لمصالح يراها مناسبة مع حكمته وتدبيره، كما في مصلحة الاختبار والابتلاء، وهذا الذي حصل في قصة نبي الله اسماعيل ((ع)) لما رأى أبوه إبراهيم ((ع)) أنه يذبحه، فكان اختبار وبلاء للنبيين ((عليهما السلام))، فلما رأى الباري تعالى صدقهما وطاعتهما وثباتهما واستسلامهما وانقيادهما لأوامره حاضرة دون تردد، هنا حصل البداء حيث فدا الله تعالى إسماعيل بكبش كبير.

وتناولت الحلقة بيان تاريخ مسألة البداء التي بينها المحاضر من خلال بيان عقيدة اليهود في هذا المجال، حيث أنهم يمنعون النسخ سواء كان في التشريع أو التكوين، وقد أكدوا على امتناعه بأنّ قلم التقدير والقضاء إذا جرى على الأشياء في الأزل استحالة أن تتعلق المشيئة بخلافه. وبعبارة أخرى فهم قد ذهبوا إلى أنّ الله قد فرغ من أمر النظام وجفّ القلم بما كان فلا يمكن لله سبحانه محو ما أثبت وتغيير ما كتب ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)) وعليه بحسب اعتقادهم الخبيث الفاسد يكون الإنسان عاجز عن تغيير مصيره بما يكتسبه من أعمال بإرادته واختياره. والقرآن يرد على عقيدة اليهود: ((غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم…)). وهذا المعنى من النسخ الذي أنكرته اليهود هو بنفسه حقيقة البداء بالمعنى الذي تعتقده الإمامية. ويؤكد القرآن الكريم فساد عقيدة اليهود بقوله: ((يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) ((كل يوم هو في شأن)) ((ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربُّ العالمين)).

بيّنت الحلقة أنّ الإمامية اتفقت كلمتهم تبعاً لنصوص الكتاب والسنة والبراهين العقلية على أنه سبحانه عالم بالأشياء والحوادث كلها غابرها وحاضرها ومستقبلها، كلِّيِّها وجزئيِّها، كما يتضح من قول الإمام الصادق ((ع)): ((فكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ليس لشيء يبدو له إلّا وقد كان في علمه، إن الله لا يبدو له من جهل)). فلله سبحانه تقديراً مشترطاً موقوفاً هو الأجل غير المسمى، وتقديراً مطلقاً محتوماً هو الأجل المسمى ((هو الذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده)). فالآجال على ضربين: ضرب محتوم، وهو الأجل المسمى المحتوم الذي لا يتبدل ولا يتغير (( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون))، وضرب موقوف مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان، كما هو واضح في قول الإمام الصادق ((ع)): (( من الأمور أمور محتومة جائية لا محالة، ومن الأمور أمور موقوفة عند الله يقدّم منها ما يشاء ويمحو منها ما يشاء، ويثبت منها ما يشاء)). فالتقدير المحتوم خاص بالقضاء وهو الأجل المسمى المحتوم الذي لا يتبدل ولا يتغير ((وما عند الله باق)) (( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)). بينما الأجل عندما يكون على ابهامه غير مسمى فهو التقدير الموقوف المشروط المعلق الذي يمكن أن يتخلف لعدم تحقق شرطه الذي علق عليه. فالأجل المسمى المحتوم هو الذي وضع في أم الكتاب (اللوح المحفوظ)، والأجل غير المسمى هو الذي وضع في لوح المحو والإثبات.

فالظهور في مسألة البداء هو الظهور في علمه الفعلي لا في علمه الذاتي، فحصول البداء في مقام الفعل لا في مقام الذات، بينما المنفي هو حصول البداء في مقام الذات، يعني على خلاف ما كذبوا وافتروا به على الإمامية. فالبداء في التقديرات لا في القضاء؛ لأنّ قضاء الشيء وقوعه، ومع وقوعه لا ينقلب عما هو عليه؛ وعليه ((لا بداء في القضاء، وإنما البداء في القدر)). فالمعنى الذي لا ينافي رأي الإمامية في القول بالبداء هو ما روي عن الشيخ المفيد من دفع القتل عن إسماعيل وقد كان مخوفاً عليه من ذلك، كما يتضح من قول الإمام الصادق ((ع)) ((إنّ القتل قد كتب على إسماعيل مرتين فسألت الله في دفعه عنه فدفعه)).

وأوصت الحلقة بضرورة تكثيف الجهود لعمل هكذا حلقات، لتوعية الناس وتفنيد الآراء الخبيثة الفاسده الواردة حول البداء.