مقال
للسيد م.م. عباس لعيبي عبيد التدريسي في كلية الزراعة/ جامعة ميسان والمنشور في جريدة المعارف الصادرة من جامعة ميسان.
أمنٌ رقميٌّ في الأفق: نحو مستقبل رقمي آمن
في خضم ثورة رقمية لا تهدأ، ومع اشتداد وتيرة التحوّل إلى الاعتماد على البيانات والتطبيقات والشبكات، بات السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كيف نضمن أن يكون هذا العالم الرقمي آمنًا — ليس فقط من الهجمات الإلكترونية التي نعرفها اليوم، بل من التهديدات التي قد تظهر غدًا؟ إن الإجابة تكمن في رؤية شاملة، تستوعب التقنية والوعي الإداري والثقافة المؤسسية، وتترجم إلى منظومة أمنية متكاملة تواكب التغيرات، وتواجه التهديدات المستمرة , تطوّر التهديدات مشهدٌ في تغيّرٍ مستمر إنّ ما كان بالأمس يُعدّ هجومًا إلكترونيًا بسيطًا أصبح اليوم شبكةً معقّدة من التهديدات المتزامنة التي تستهدف الأنظمة، الشبكات، البنية التحتية والبيانات الحسّاسة, ففي تقرير بعنوان «Cyber security: State of the art, challenges and future» يوضّح الباحثون أن مشهد الأمن السيبراني يشهد تطوراً سريعاً في أدوات الهجوم، وأساليب التسلل، وكذلك في طبيعة الضحية، التي لم تعد فقط الشركات الكُبرى بل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والعامل الفردي , ومن أبرز التوجّهات المستقبلية، أنّ الأمن الرقمي لم يعد يتعلق فقط بآليات الدفاع، وإنما كفاءة الاستجابة والمرونة في التعافي بعد الحادثة , ففي ورقة «Seven trends that could shape the “official future” of cybersecurity 2030» يُشدد على أن الأمن السيبراني سيتحوّل “من الدفاع عن الحصون” إلى “قبول وجود المخاطر والعمل على بناء القدرة على الانتعاش”. إضافة إلى ذلك، فإنّ التقنيات الناشئة كـ الذكاء الاصطناعي (AI) وإنترنت الأشياء (IoT) والحوسبة الكمّية (Quantum Computing) تطرح فرصًا هائلة للدفاع ولكنها كذلك تفتح أبوابًا جديدة للهجمات، مما يرفع من مستوى المخاطر والتعقيد , المنظومة المتكاملة التقنية + الوعي + الإدارة إن بناء مستقبل رقمي آمن لا يتحقّق بمجرد تركيب جدار حماية أو تثبيت برنامج مضاد للفيروسات، بل يتطلّب منظومة شاملة تُركّب عدّة مكوّنات مترابطة البنية التقنية الصلبة تحتاج المؤسسات إلى بنى تحتية مصمّمة وفق مبدأ «الأمن بالبناء» (Security by Design) — أي أن تُبنى الأنظمة مع مراعاة متطلبات الحماية منذ بداية التصميم، لا كتحسينات لاحقة ,
