منشور في جريدة المعارف الصادرة من جامعة ميسان.

قام الأستاذ م.م مظهر كاظم، التدريسي في قسم التاريخ، بكتابة مقال في جريدة المعارف بعنوان “الفوضى البصرية وأثرها في تشويه المعالم الأثرية والحضارية”. يُعتبر هذا إنجازًا رائعًا لقسم التاريخ، حيث تُعتبر تلك المقالات فرصة للتأثير على المجتمع بشكل عام وعلى مؤسسة الجامعة بشكل خاص. لذا، نتمنى للأستاذ م.م مظهر كاظم المزيد من النجاحات المستقبلية والفرص المتميزة للتعبير عن آرائه والمساهمة في المجال الذي يهتم به. ونتمنى له دوام النجاح والإلهام في مسيرته الكتابية.

نصّ المقالة:

(الفوضى البصرية وأثرها في تشويه المعالم الأثرية والحضارية)

م.م. مظهر كاظم داود

هناك أوجه عديدة ومختلفة عبر الازمان تجتمع وتشكل صورة الحضارة، وكما هو معروف أن من ابرز ما تركته الحضارات القديمة وحتى المتأخرة هو الارث العمراني والمتمثل في اماكن العبادة أو المساكن أو الاسواق وغيرها. ولندرة هذه الآثار يمكن اعتبارها من الجواهر الثمينة، لأنها تكون جاذبة للمهتمين ولعامة الناس، لما فيها من السحر والجمال الاخاذ. كما أنها تحظى باهتمام المنظمات الدولية ومنها منظمة التراث العالمي (اليونسكو) فضلا عن اهتمام الدول التي تكون ضمن حدودها. وهناك شواهد حية كثيرة منها آثار روما واثينا واسطنبول وغيرها، ولسبب بسيط، لان من لا ماضي له لا حاضر له.ولعل اهم واعظم ما وجد من آثار عمرانية لأول الحضارات واعرقها هو ما تحتضنه ارض ما بين النهرين وفي معظم ارجائها، ولكن مع شديد الاسف تجد الاهمال كان سندا للظروف الطبيعية وغير الطبيعية في محو ملامحها، بالإضافة إلى عدم الاكتراث من الجهات المسؤولة لما تعانيه هذه المباني جراء عبث يد الزمن في جدرانها.ولا يخفى على المتابع لهذا الشأن أن مدينة العمارة تقع ضمن حدود حضارة سومر اول حضارة اكتشفها الإنسان، وعند تصفح شوارعها والتأمل في اسواقها وكنائسها ومساجدها وبيوتها العتيقة والتي كانت إلى وقت قريب تفوح منها رائحة التأريخ من خلال ما تشاهده من بيوت الشناشيل الخشبية التي كانت شبابيكها وابوابها المزخرفة تشبه إلى حد كبير عائلات مدينة العمارة القديمة. ومن الجدير بالذكر أن الكثير من هذه العائلات كانت من مختلف الاعراق والطوائف الدينية ومنها اليهودية والمسيحية والصابئية فضلا عن المسلمة وكانت تشكل لوحة فنية نادرة وهذا ما جعلها تتسم بالمدنية وربما قرب نهر دجلة اضاف لها سحرا من العذوبة. كما ان قرب هذه البيوتات من بعضها اضفى لونا من الحميمية والتقارب الروحي على نفوس قاطنيها.وبالعودة إلى اماكن تواجد هذه الشناشيل الرائعة نجدها تتركز في محلة السراي والصابونجية وشارع بغداد وشارع المعارف (شارع التربية حاليا). ولكن بين ليلة وضحاها اختفى الكثير منها في طوفان الحداثة الكاذبة وبعضها طالته يد الإنسان وأصبح مشروعا تجاريا، والغريب في الامر صمت الجهات المعنية عن العبث بها، وهناك القليل منها والذي يعد على عدد اصابع اليد الواحدة كان من نصيب الفوضى البصرية أو التلوث البصري حيث تجدها سجينة بين لافتات واعمدة وصور واضواء لا تنتمي إلى روح المكان وهويته، وتترك انطباعًا لدى الناظر بأن هناك عدم تناسق وانسجام واضح بين معلم تأريخي مهم مثقل بالأسرار والحكايات ويعتبر ارثًا مكانيًا مهماً، وبين مشوهات من المعادن المختلفة والالوان غير المتناسقة والتي لا تمت بأي صلة لا من بعيد ولا من قريب إلى المعلم الذي تحيط به، وكأن صمت هذه البيوت العتيقة هو تعبير عن غربتها وسط ضجيج ما حولها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *